الجزيرة في 20 عاما

انقضت عشرون عامًا على انطلاق قناة الجزيرة الفضائية في منتصف تسعينات القرن الماضي، مدشِّنة فصلًا جديدًا في تاريخ الإعلام العربي الذي كان يعيش تحت رقابة صارمة لأنظمة الحكم. ومنذ العام 1996 ، شهد مجال البثِّ التلفزيوني ، وأسلوب التغطية الإخبارية، تغييرًا هائلًا على أكثر من مستوى. كما ساعدت تقنيات البث الفضائي وما تبعها من تطورات متسارعة في مجال الإنترنت وخصوصًا على صعيد شبكات التواصل الاجتماعي، على تعزيز تيار التدفق العكسي للمعلومات والأخبار، ليصبح ذلك ملمحًا بارزًا من ملامح المشهد الإعلامي العربي والعالمي. وعلى غرار ما حصل في مناطق أخرى من العالم، أسهمت تلك التغييرات العميقة والمتسارعة في تشكيل رأي عام جديد وخلق فضاء عام عربي. 

إلى جانب ذلك، ساعد البث التلفزيوني العربي العابر للحدود، بقيادة الجزيرة، على بلورة هوية عربية واحدة وولادة وعي عربي مشترك. ولا يمكن أن نفهم ارتفاع مستوى الوعي لدى الشارع العربي بضرورة التغيير السياسي وإقامة الحكم الرشيد بعيدا عن تأثير تلك التحولات التي شهدها مجال الإعلام. فأثر الدومينو الذي رأيناه في تتابع ثورات الربيع العربي التي انطلقت في تونس في أواخر العام 2010، يجد جذوره في منتصف التسعينات مع انطلاق عدد من الفضائيات، في مقدمتها الجزيرة. لقد نجحت تلك الفضائيات في توحيد الجمهور العربي، وتمكينه من التواصل عبر الفضاء العام الافتراضي، والرفع من منسوب الوعي لديه عن طريق ما تبثه من أخبار وتحقيقات وبرامج حوارية ووثائقيات وغيرها.
ربطت الجزيرة أيضا بين عرب المهجر وأوطانهم الأصلية، بعد أن ظلوا لعقود طويلة يعيشون ما يشبه حالة من الانقطاع الثقافي والسياسي عن شؤون بلدانهم. كما أصبح بإمكان المعارضين السياسيين وناشطي المجتمع المدني أن يعبّروا عن مواقفهم وآرائهم، ويؤثروا ولو نسبيا، في الرأي العام وفي مسارات صناعة القرار. لقد نجحت القناة في جلب كل ذلك الاهتمام، وإحداث كل ذلك التأثير، بفضل الثقافة الصحفية الجديدة التي أدخلتها للمنطقة وتحدّت من خلالها الثقافة السائدة عربيا وإقليما ودوليا. وقد حفّز ذلك النجاح عددا من الدول الغربية لإطلاق مشاريعها الإعلامية الناطقة بالعربية. في هذا السياق، انطلقت قنوات الحرة الأميركية، وبي بي سي البريطانية، ودوتشه فيلله الألمانية، وفرنسا 24، وروسيا اليوم. التقت أهداف تلك المشاريع جميعها في التأثير على الرأي العام العربي الذي بدا أن الجزيرة تهيمن عليه بشكل واسع.

 

 

قراءة كل الكتاب بالعرابية من هنا

 



قراءة كل الكتاب بالانجليزية من هنا